يمكنني، أنا الفلسطيني المنفي الذي عاش في أوروبا معظم فترات حياته، أن أميّز ذلك التشابه الواضح بين تناول الإعلام الأمريكي للقضية الفلسطينية اليوم، والطريقة التي درج عليها الإعلام الأوروبي، مطلع السبعينيات، في التعامل مع قضيتنا الأم. حينها كان يندر أن يشير الأوروبيون إلى حقيقة أن إسرائيل قد بنت كيانها على الهدم الممنهج والمتعمد لبيوت الفلسطينيين ومزارعهم. وكان إعلامهم يتجاهل أن ذلك الكيان قد وسع صدره للمهاجرين اليهود على حساب مئات آلاف الفلسطينيين الذين تم طردهم من ديارهم.
فالإعلام الأوروبي آنذاك،كان يتغاضى عن الإرهاب الذي تطوّر وأصبح خاصية صهيونية بامتياز، وكان يغفل حقيقة أن إسرائيل قامت من خلال نفي الفلسطينيين وإنكار حقهم بوطنهم؛ أرض آبائهم وأجدادهم. فالشائع في أوروبا وقتها هو أن إسرائيل دولة حديثة تسعى جاهدة إلى الحفاظ على أمنها وسلامها. أما ممارساتها القمعية بحق هؤلاء الفلسطينيين الذين سعوا إلى المحافظة على هويتهم بعد نكبتهم، وعدوان هذه الدولة على جيرانها العرب، فقد كانت كلها أمور يتم تجاهلها أو التسامح تجاهها، حتى أن الرفض الإسرائيلي لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، تمت الموافقة عليه وقبوله أوروبياً، أو الصمت إزائه وعدم إنكاره في أحسن الأحوال.
دارت عجلة الزمن، وتطوّر الموقف الأوروبي، وحاز الفلسطينيون على اعتراف عام من معظم دول العالم بالظلم الذي لحق بهم، مستثنين من هذا الاعتراف الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول القليلة التي لفّت لفّها. ولعل هذا التغيير الذي حصل في النظرة إلى القضية الفلسطينية وإدراك كنهها، جاء نتيجة لتنامي المجتمع المدني في العالم على مستوى النوع والكم على السواء.
مع الوقت وتأثير العولمة، ثمة أصوات عديدة، ضمت بين ظهرانيها العديد من الشخصيات اليهودية البارزة، بدأت بالعلو – ولومتأخراً- للمطالبة بتدارك المظالم المذكورة أعلاه، في وقت أدرك فيه الوهن - بفضل الإنترنت - تلك القبضة الاحتكارية الشديدة للإعلام الغربي على وسائل الإعلام. فالشبكة العنكبوتية، توفر الآن المنافذ التي تتعامل مع القضية الفلسطينية بشجاعة وتنظيم، وتغطي الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان تغطية معمقة، وبالتحديد منها حالات تعذيب السجناء والمصادرة غير القانونية للأراض والممتلكات الفلسطينية.
إن التوسع في الترابط الشبكي بين المجتمعات المعاصرة، والتطور الحاصل في تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال يعني بين جملة ما يعنيه أن هناك أصواتاً جديدة، بصدد ما نحن فيه، تستطيع الارتفاع وإحداث التأثير المطلوب.
لذا، فقد حان وقت العمل على استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه بصورة سلمية، وبناء مستقبل يعيش فيه الشعب الفلسطيني بحرية وكرامة، وأن يتاح له حق تقرير مصيره ، ويتم تعويضهم عن كل المعاناة الإنسانية والخسائر المادية التي تحملّوها على مدار السنوات الستة والستين الماضية.
إن "جمعية الدفاع عن حقوق الفلسطينيين" تنوي أن تدلي بدلوها في هذا المضمار، واضعة نصب أعينها تحقيق الهدف المذكور أعلاه من خلال رد الحوار حول القضية الفلسطينية إلى الأصول والثوابت الأساسية. هنا أريد أن أعود إلى أحد كتيّباتي الذي كنت قد نشرته أثناء المرحلة الجامعية سنة 1971 والذي كان يحمل عنوان "فلسطين أو إسرائيل"؛ فلقد أنهيت مقدمة هذا الكتيّب بجملة تقول: "العدالة لا تتجزأ ، وما هو عادل لليهود يجب أن يكون عادلاً للفلسطينيين أيضاً". إن هذه الجملة مازالت مرشدي الرئيسي في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وهي التي سوف تكون قاعدة العمل الأساسية لجمعية الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.